GuidePedia

0
في أواخر شهر أبريل من العام 2009، ووسط قاعة هي في الأساس معدّة لاستقبال احتفاليات الأفراح وسط جماعة بُوعرك القصيّة بكيلومترات قلائل عن مركز إقليم النّاظور، وقف فؤاد عالي الهمّة، بصفته مؤسسا لحزب الأصالة والمعاصرة، وسط تجمّع لأنصاره المستعدّين لخوض غمار الانتخابات الجماعيَّة حينها.. وقد استثمر المستشار الملكي الحالي تلك المناسبة من أجل تحذير إسبانيا من المشاكل التي قد تلاقيها جراء المسّ بالشعائر الدينية التي يقيمها مسلمو سبتة ومليليَّة على "الطريقة المغربيّة".
"أحذّر من تبعات تؤدي إسبانيا تبعاتها في الميدان الديني، فحين كانت الصلاة تقام بسبتة ومليليَّة باسم أمير المومنين لم تكن هناك مشاكل، وحين منعت ذلك، بمنع إقامتها وفق ذلك سيؤدِّي إلى مشاكل تستفحل في المستقبل" يقول فؤاد عالي الهمّة الذي استعمل، في حينه، عبارتَي "الدين المغربيّ" و"الشريعَة المغربيَّة" للدلالة على طقوس المغاربة في الوسطية والاعتدال وفقا لتعبيره.
أمّا اليوم فإنّ شوكَة الجهاديِّين تبدو سائرة لتشتدُّ أكثر فأكثر في ثغري سبتَة ومليليَّة الرازحَين تحت السيادة الإسبانية منذ ستة قرون، حتى باتت شريانًا يمدُّ الشرق الأوسط الملتهب طائفيًّا بالمقاتلِين، ويدفعُ بهم إلى معارك تنظيم "الدولة الإسلاميَّة" الإرهابِي؛ أو ذاكَ ما كشفَ عنهُ تقريرٌ أمريكيٌّ صدرَ حديثًا عن المجلس الاستشارِي للأمن الخارجِي.
التقريرُ الأمريكي أوردَ أنَّ غالبيَّة المغاربة الذِين سافرُوا إلى العراق وسوريَا كيْ يقاتلُوا مع قوَّات "البغدادِي" ينحدرُون من المناطق الشماليَّة مثل الفنيدق وتطوان وطنجَة؛ وهيَ مدنٌ لا تبعدُ عن سبتة سوَى بأربعِين كيلومترًا، وهُو ما يغذِّي فرص التأثير في مدينة سبتة، ويفسرُ كون المقاتلين الذِين غادرُوا من إسبانيا قضَى أغلبهم فترةً فِي الشمَال المغربِي.. والإقبال على قتال التطرف يبدو بارزا بالثغر المليليّ أيضا اعتبارا للمساحتين الجغرافيتين الضيقتين للمدينتين السليبتين مقارنة مع باقي أراضي المغرب التي تطالها "فلتات قتاليَّة متشدّدة".
ووفقًا لتقديرات التقرير الأمريكي، فإنَّ عدد "الدواعش" المغاربة الذِين يخوضُون معارك في الشرق الأوسط يتراوحُ ما بين 1500 و2000، وهُو ما يجعلُ الرقم مرتفعًا بـ50 في المائة، قياسًا بمَا جرَى الإعلانُ في وقتٍ سابق على المستوَى الرسمِي بالمغرب، بينمَا لقيَ 216 مقاتلًا مغربيًّا داعشيًّا مصرعهم في الجبهات.
التقديراتُ الأمريكيَّة توردُ أنَّ نسبة مرتفعة من الشريحة العمريَّة المتأرجحة ما بين 18و45 عاما، من الذكُور، قد غادرت سبتة نحو مناطق الاقتتال بالعراق وسوريا.. وفي المنحَى ذاته تردفُ الوثيقة الأمريكيَّة أنَّ مدينتيْ سبتة ومليليَّة، وبعض المناطق المحيطة بهمَا، كانتْ أكثر البؤر التي جرى تفكيكُ خلايًا إرهابيَّة بهَا، آخرها أعلن عنها في شتنبر الماضِي بتنسيق بين أجهزة الأمن المغربيَّة والإسبانيَّة.
بيدَ أنَّ عدد المتطرفِين الذِين غادرُوا دولًا في أوروبَا الغربيَّة مثل فرنسا وبلجيكا من أجل الانضمام إلى داعش، يفوقون من مضَوْا من إسبانيَا، حيثُ إنَّ 930 داعشيًّا ذهب على سبيل المثَال من فرنسا، فيما يبلغُ عددُ الدواعش المغادرِين من بلجيكَا مائتين وخمسينَ شخصًا.
وفيمَا يسَاهمُ المغرب من جانبه فِي التحالف الدولي الذِي ترعاهُ الولايات المتحدَة ضدَّ داعش، ينبهُ التقريرُ إلى الخطر الماثل في عودَة "الدواعش" من ساحات القتال في سوريا والعراق نحو المغرب، وهُو خطرٌ يقول المجلس الاستشارِي للأمن الخارجِي إنَّه يهدد أيضا مدينتَيْ سبتة ومليليَّة.. بينما يزيد على ذلك فرناندو ريناريس، الباحث المختص في شؤون الجماعات الإرهابيَّة بالمعهد الملكِي الإسباني إلكانُو، أن ما يزيدُ عن نصف الجهاديِّين الإسبان، الذِين أحصتهم وزارة الداخليَّة والبالغ عددهُم ستين فردًا، ينحدُرون من سبتة ومليليَّة.

إرسال تعليق

 
Top